لا للإصلاح الدموي

لا للإصلاح الدموي

قررت يوم الجمعة 25 آذار فجأة ودون تخطيط مسبق أن اخرج إلى دوار الداخلية، كانت بداخلي رغبة قوية أن أرى ماذا يفعل ويقول هؤلاء الشباب المعتصمين ، فأنا أقرأ الأخبار على المواقع الإلكترونية المختلفة ولكن لم يسبق لي أن قررت أن تكوني حواسي هي مصدري وليس حواس الآخرين من مواقع إخبارية ومدونات وغيرها.

تقريبا مع نهاية موعد صلاة الظهر ، توجهت بسيارتي إلى من الدوار الرابع إلى الداخلية والخوف يتملكني من  مفاجئات لم  تكن بالحسبان ، المهم وجدت الدوار مغلق وبقيت أحول حتى وجدت مكانا في شارع فرعي وتركت سيارتي.

اقشعر بدني وانأ اسمع أصوات الشباب 24 آذار يهتفون ويكبرون ويطالبون وقلت حماكم وهداكم الله ، هتفوا للأردن والحرية والإصلاح ، وأكدوا أنهم أردنيون (شيشان وشركس وفلسطينيون). سمعت قصيدة وكلمة لمواطنين من عشائر معروفة وأغاني وطنية (موطني) ودينية (باقون هنا) ، كانوا يرفعون لوحة مكتوب عليها ( ميدان التغيير). كان من ضمن ما أخافني أنهم ذكروا أن  هؤلاء هم عينة من المجموعة ، وهناك الكثيرين ينتظرون الإشارة في المحافظات لينضموا للاعتصام.

في الجهة المقابلة ، كان هناك مجموعة أخرى من الشباب والأطفال( 11-14 عام) يكرون ويفرون ويضربون الحجارة وكلما عادوا رفعوا صورة الملك وعلم الأردن وكأنهم يحتمون بالصورة ويعتبرون ذلك ولاء وانتماء.

الفاصل بين المجموعتين هم رجال الأمن العام ، كانوا يقفون كالبنيان المشدود لحماية شباب آذار من الحجارة رغم الإعياء والتعب ، لم يتحركوا للهرب من مطر الحجارة ، وكان هناك أفراد أخرى تركض وراء من يضربون الحجارة وتمنعهم وتضربهم أحياناً ، ورأيت إصابات بين الأمن وشباب آذار من الحجارة.

وقفت كمثل الكثيرين رجالا ونساء نراقب بحزن وأسى ، رأيت شباب تبكي وتستغفر الله عما آلت إليه حالنا ، فشبابنا يتناحرون وكأنهم أعداء في ساحة المعركة ، والله إني بكيت وبكيت على مواردنا البشرية والمالية وطريقة هدرها ، ولكن لا حيلة لي ولا لغيري.

 بعد ثلاث ساعات تقريبا، قررت الذهاب إلى الحدائق وكأن قراراتي في هذه الجمعة ارتجالية رغبة للحصول على صورة كاملة لأبناء وطني ، توجهت للحدائق لأجد أمم بالآلاف وسيارات بالمئات وأغاني وطنية وشعارات وأسماء عشائر ومحافظات وغيرها ، بقيت هناك لمدة ساعة تقريبا ثم سمعت أن موكبا منهم توجه للداخلية فقررت العودة هناك وأنا أدعو الله “يستر ويمر اليوم على خير ” وكأن حاستي السادسة تخبرني بأن الدم سيسيل لا محالة.

وصلت مرة أخرى للداخلية ، كان مغلق من جميع الجهات وبصعوبة وجدت مكانا للسيارة ومشيت للدوار ، لأجد أن الأعداد قد ازدادت من متفرجين وأمن وربما درك )أو مكافحة شغب) وطبعا أعداد شباب نداء وطن بالمئات. لم أعرف أين سأقف وانأ ارتجف خوفا ( شو جابني؟) ، وجدت لنفسي جدارا وقفت خلفه لحماية نفسي من مطر الحجارة والقنوات والشتائم ومئات البشر الهائجة في كل الاتجاهات ، بقيت كذلك حتى انفجر الوضع في لحظات ورأيت ما لم أره في حياتي من عنف وضرب ودماء وماء يرش في كل الاتجاهات وأصوات ، في لحظة انتهى الاعتصام وتفرقت الناس المتفرجة وتراكضت في اتجاهات مختلفة خوفا من قنوة أو حجر أو (شمطة سلك) ، وطبعا انتقلت لمكان ابعد وبقيت حتى جاءني رجل امن وطلب مني ومن الجميع مغادرة الدوار.

 ملاحظات عامة أود إبرازها بشكل محدد:  

  1. لو لم يتدخل الأمن العام – رغم الفوضى وقت الانفجار- لسالت بحور دم والله أعلم ، هناك طرفان متناحران والأعداد متفاوتة وإبليس شغَال نفخ وفساد.
  2. كان مدير الأمن حسين المجالي صادقاً في ما رواه وقدمه على التلفزيون (حسب ما شاهدت عالداخلية) ، ولم أر في عمل الأمن في الداخلية والحدائق إلا  تحقيقا لرسالة الأمن العام وهي حماية أمن المواطنين وممتلكاتهم.         
  3. لا يستوعب عقلي أن مجموعتي الشباب “آذار ونداء وطن” ليست منظمة وممولة وموجهه من قبل رؤوس ضليعة بالسياسة وبمواطن ضعف الشعب الأردني وحاجاته كمثل الانتماء والولاء والوفاء والحاجة للإصلاح.
  4. المواطن العادي ” أمثالنا ” الذي يريد أن يعيش حياة كريمة هادئة يعمل ويحزن ويفرح ويربي أبنائه ويصلي ويحتفل بالفطر والأضحى والفصح وغيرها من مظاهر الحياة ، ماذا سيفعل؟ هل عليه أن يتبع طرفا معينا حتى يأمن الشر؟
  5. كيف يمكن أن أربي ابني الوحيد معتدلا يحترم الإنسان لإنسانيته التي أكرَمه الله بها؟ كيف يمكن أن اجعله قادرا على عدم الاستسلام لغسيل الدماغ؟ كيف يمكن أن لا يكون حجر شطرنج وأداة لخدمة أجندة فلان وعلان؟
  6. كان هناك مشاركة وصبغة إسلامية مع شباب 24 آذار – أقول كان هناك وليست سائدة- حيث رأيت مجموعة من الشيوخ (رجالا ونساء) تخرج من مكان الاعتصام لحظة فلتان الأمور والبعض منهم مصاب ودمه نازل.
  7. سمعت شتم وألفاظ نابية من شباب نداء وطن وكأنهم يعتقدون أن الاعتصام نظمه الفلسطينيون ضد الأردن ، مع العلم أن أسماء العشائر التي ذكرتها شباب آذار هي عشائر من جميع محافظات المملكة.     

 اعتذر على الإطالة ولكن حاولت أن يكتب قلمي ويصف لساني ما رأته عيني وسمعته أذني ، ولا أستطيع أن اصف الإحباط واليأس الذي أشعر به ، والخوف الذي يتملكني من الغد الذي لم أعد أرى فيه إشراقا ، رحم الله المتوفى وأعان أهله وشفى المصابين.

أعلنها – ولتسجل علي – لا للإصلاح الدموي ، لا للإصلاح المسيس ، الإصلاح هو العمل ضمن برامج وخطط واستراتيجيات واضحة فيها أهداف (متوسطة وبعيدة المدى) ولها معايير واضحة للمتابعة والتقييم لقياس الانجاز ، وليس ضرب ودماء وتكسير وفتن ( ولوي من الأيد إلي بتوجع).

حمى الله الأردن وأهله وشبابه صخرة منيعة أمام الهجمات والمؤامرات والفتن … اللهم يسر للقائد رجال أشداء حكماء غيورين بلا أجندات الا ” أجندة الوطن والمواطن” … وإلا فعلى الدنيا السلام.

This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

Leave a comment